recent
أخبار ساخنة

نرمين عمار: ليلة بكت فيها نون

إيجي تريند
الصفحة الرئيسية
نرمين عمار



ليلة بكت فيها نون

ليلة ثقيلة استيقظ بعدها المجتمع المصرى مرتطما بموجة عاتية من الحنق والغضب وسط صرخات الاستنكار والاستهجان. استيقظ ليجد نفسه أمام وجبة مثيرة لشهية المواقع الالكترونية وصفحات المستخدمين، وجبة دسمة بنكهة المرار والحسرة. 

لن نتطرق لتفاصيل الحادثة لأنها الآن ،حسب آخر التطورات، بين يدى القضاء، ولأن الرواية وأبطالها المجهولين قد قُتلت سردا وتحليلا، وأصبحت حديث الصباح والمساء فى كل مكان، خاصة فى تجمعات نون النسوة. لم يعد الحديث عن آخر وصفات الطهى أو افضل منتج لعلاج الهالات السوداء جذابا، ولم تعد مساحة "الفضفضة" عن مشاكل الزوج النكدى والأولاد المتمردين أو باروكة تلك الفنانة وطلاق ذلك النجم كافية لجرعة الثرثرة الإلكترونية اليومية . 

بين ليلة وضحاها تحولت جروبات نون النسوة المغلقة وعبر مختلف وسائل التواصل المختلفة إلى "شيزلونج" العيادة النفسية. جميعهن يسردن قصصا وتجارب شخصية مريرة حول حوادث مشابهة. ليلة بكت فيها نون النسوة بكاء حاراً فى عزاء جماعى مفاجىء دون مقدمات. 

والميت.... كرامة أنثى!!


تفاصيل يندى لها الجبين وتعجز أمامها عبارات المواساة، تحكى كل "نون" منهن قصة تحرش ماألمّت بها.. ما بين قريب للعائلة، ومدرس فى مدرستها الابتدائية، مرورا بطبيب مناوب فى مستشفى، وصولا إلى محفظ القرآن بالمنزل !!


مرة أخرى تفاصيل الحادثة، أو "الترند" بلغة السوشيال ميديا، لن نتوقف عندها كثيرا، ولكن الأهم والأكيد أن تلك الواقعة قد نكأت جراحا غائرة ظنت نون النسوة أنها قد اندملت بينما هى مستقرة فى أعماق الروح تاركة وراءها ندبات قبيحة سببها ضمير المذكر !! 

وهل لذلك المذكر اللاتى يتجرّعن مرارةَ كأسِه ضمير؟! 


على هامش "الترند" هناك جوانب أوسع وأشمل من جريمة الاغتصاب، إذ لابد أولا من الإقرار أن هذا النوع من الانتهاكات يرتبط ضمنيا بالجانب الدينى ومفهومه لدى البعض. فمن الذى حول ذلك الكائن الذى كرمه الله وأوصى به نبيُه الكريم إلى حلوى مكشوفة ثم سيارة مفتوحة، إلى آخر تلك التشبيهات المتدنية المهينة؟ 

من الذى تغاضى، بل وربما حرض ضمنيا أيضأ، على معاقبة السافرة المتبرجة بحقيبتها الحمراء المثيرة والتعرض لها بالقول أوالفعل حتى تستتاب وتستتر، وذلك من باب تغيير المنكر ومحاربة الفحش والفجور وحماية قيم المجتمع إلى آخر هذه الشعارات الفضفاضة والمضللة ؟ 

من الذى اختزل دور المرأة الى منشط للشهوات والغرائز، ترتع فى الطرقات فقط لإغواء الذكر وهتك عفته ؟!

دعنا نبتعد قليلا عن صيحات الفيمنيستس المتشنجة وصراخ الأمهات المفزوعة وتبريرات المتحرشين واتهامات أصحاب العمائم، دعنا نتأمل الصورة الأوسع... سنجد أن غالبية هذا المجتمع رجالا، بل ونساءا أيضا، يلومون ضمنيا أيضاً ضحية الاغتصاب أوالتحرش، ستجدهم يشككون فى سلوكها بشكل أو بآخر. الحقيقة المؤكدة هنا أننا نقف أمام مجتمع لا يعرف شيئاً عن فكرة رضى الأنثى أو ال consent


منذ سنوات وأنا اتأمل فى عجز الدولة عن مواجهة ظاهرة تأهلت فيها مصر للمركز الثانى عالميا - وفقا لإحصائيات أممية - وهى ظاهرة التحرش رغم إنها من المجتمعات التى "تبدو" منفتحة ظاهريا بينما هى قمة الانغلاق فكريا. فالنسيج المجتمعى المصرى بالغ التعقيد ودقيق التفاصيل ولا يوجد حل one size fits all  إلا .....إنفاذ القانون!

 يستوقفنى أيضا فى تلك الحادثة التطور النوعى فى شخصية المتحرش الذى وصل بمرضه إلى المجتمعات الراقية والمغلقة. فالوقائع  تدور بين المدارس والجامعات المرموقة وخلف أسوار الكومباوندز بقيمها وثقافتها المنفتحة وشركات أمنها المكلفة.  إذن لم يعد نموذج المتحرش كما عهدناه قاصرا على الطبقات الدنيا التى افترسها الفقر والكبت الجنسى والمخدرات والنظرة الدونية للمرأة بشكل عام.. الهم طال الجميع، ساكنى العشش والقصور.... فأين المفر ؟!


وعلى خلفية هذه الحادثة اسعى جاهدة لاستيعاب سهولة إستصدار أمر قضائي بالقبض على قاصر ترقص فى غرفتها أمام كاميرا المحمول تحت شعار "حماية شرف المجتمع" بينما هناك 99.3% من المصريات تعرّضن للتحرّش الجنسي، 49.2% منهن يتعرضن له بشكل يومي في حياتهن اليومية، دون أى نشاط ملحوظ لغدة النخوة عند هؤلاء من نصبوا أنفسهم حماة للمجتمع! 


أرى المشكلة الأخطر الآن تكمن فى تحول التحرش إلى سلوك شائع ومقبول إجتماعيا. أما الاغتصاب فيمكن أيضا تفهم دوافعه !!


فغياب الردع اللائق للمتهم جعل هذا النوع من الجرائم تندرج تحت فئة "الترند" ...وكفى! 

هل تساءلتم مؤخرا ماذا حدث فى "ترند" فتاة المنصورة وواقعة احتجازها فى محل وسط مظاهرة تحرش جماعى ليلة رأس السنة لأن ملابسها "غير لائقة" ؟!! 


هل تم معاقبة المتحرشين أو الإعلان عن هوياتهم أو حتى سير التحقيقات؟!

ولأنى لا أريد تقمص شخصية "قاسم السماوى" الذى يهجو زمانه ويندب حظه ويكره واقعه بدون فائدة، أدعو الجميع إلى السعى وتقديم حلول مبتكرة لهذا الوضع المخزى تتماشى مع معطيات الواقع وتتحرك على الأرض بعيدا عن أروقة القوانين ودهاليز الفتاوى والأحاديث الدينية. 


وانطلاقا من هنا أدعو رواد العمل المدنى والسادة الحقوقيين بحث فكرة تصميم تطبيق مبتكر أو application  " امسك متحرش" يمكن تحميله على الهواتف المحمولة القابعة فى كل يد الآن.  على أن يكون تطبيقا مجانيا سهلا يعمل بمثابة وسيلة آمنة للإبلاغ عن وقائع التحرش والاغتصاب مع آلية رصد وحصر المتحرشين بصورهم وأسمائهم حسب المنطقة الجغرافية بعد مراجعتها وربطها بقاعدة بيانات وزارة الداخلية، والتى تقوم بدورها بالمتابعة والتحقيق فى البلاغات المقدمة. عبر هذا التطبيق يمكن للسيدة أيضا التعرف على هوية المتهمين فى قضايا أخرى سابقة وتحديد "خريطة التحرش" فى منطقتها وتجنبها، تلك الخاصية تحديدا فى التطبيق أتوقع أن تحقق إنخراطا حقيقيا من أفراد المجتمع فى مكافحة آفة التحرش بدلا من الاكتفاء بتبادل الاتهامات ومصمصة الشفاه. فأهالى المناطق المسجلة "كبؤرة تحرش" على التطبيق سيسعون جاهدين لإزالة وصمة العار عن منطقتهم لأسباب اقتصادية ونفسية، وبالتالى سيضطرون إلى مطاردة وردع المتحرشين بينهم... وذلك أضعف الإيمان.







author-img
إيجي تريند

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  • محمد عبد الحكم سلامة8 يوليو 2020 في 3:21 ص

    [٨/‏٧ ٢:٣٥ ص] محمد عبدالحكم: أولًا:- يشرفني أن أكون زميل لأديبة و ناقدة و ساخرة.
    [٨/‏٧ ٢:٣٦ ص] محمد عبدالحكم: ثانيًا- يسعدني أن أجد لك نشاطًا أدبيا
    [٨/‏٧ ٢:٣٦ ص] محمد عبدالحكم: لأنني أعلم و أثق أن مهاراتك تتجاوز حدود القراءة أمام الميكروفون
    [٨/‏٧ ٢:٣٧ ص] محمد عبدالحكم: نخش على ثالثًا ، و أنا أثق أنك تتقبلين الرأي الآخر...
    [٨/‏٧ ٢:٣٨ ص] محمد عبدالحكم: ثالثًا:- أتصور أن الحل له زوايا متعددة ، منها الديني و هو على رأسها ، فالاقتصادي ، ثم الاجتماعي...
    [٨/‏٧ ٢:٣٩ ص] محمد عبدالحكم: و من الديني أن يكون سن العقوبات الجنائية ليس مرتبطا ب٢١ سنة ، بل من لحظة البلوغ كما هو الأمر شرعًا و دينًا
    [٨/‏٧ ٢:٤٠ ص] محمد عبدالحكم: فالمسؤلية الدينية تتحقق عند بلوغ الشخص مع سلامة العقل من الآفات كالجنون و غيره
    [٨/‏٧ ٢:٤٢ ص] محمد عبدالحكم: و من الديني كذلك الردع العقابي الصارم ، و ليس ترفيه الجناة في هوتيلات تسمى سجونًا!!!
    [٨/‏٧ ٢:٤٥ ص] محمد عبدالحكم: و من الاقتصادي تغيير ثقافتنا عن العمل ، و تيسير تكاليف الزواج ، و....
    [٨/‏٧ ٢:٤٦ ص] محمد عبدالحكم: و من الاجتماعي ما تفضلت بالإشارة إليه من استخدام المجتمع للتكنولوجيا في محاصرة و محاربة صانعي هذا الشين...
    [٨/‏٧ ٢:٤٧ ص] محمد عبدالحكم: إذن فهي منظومة علاج ثلاثية الأبعاد

    حذف التعليق
    • Unknown8 يوليو 2020 في 12:42 م

      لأول مرة تريند يسد نفسي عن متابعة الفيس بوك وعن كتابة أي منشور يخص الموضوع
      هل سنظل نتكلم دون وجود حل
      فكرة تطبيق على الموبايل تخص متحؤش الطريق فماذا عن مدير العمل او زميل الدراسة أو استاذك في الجامعة
      القانون ثم تطبيق القانون هو الأهم
      كان في فترة سابقة يتم حلق راس المتحرش في قسم الشرطة وانتهى ذلك أيضا
      كتبتي فأوجزتي وكما قلتي هل سينتهي التريند إلى مجرد فضفضة

      حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent